الكاتب القس لبيب ميخائيل    السبت, 01 ديسمبر 2012 21:09    طباعة
رسالة عيد الميلاد
مقالات روحية

أبشركم بفرح عظيم

الآية التي تدور حولها هذه الرسالة، قالها ملاك الرب لجماعة من الرعاة وهذه كلماتها: "فقال لهم الملاك: لا تخافوا! فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب: أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب" (لوقا2: 10-11).

 

بعد أن سجل النبي ملاخي نبوته، سكتت السماء أربعمئة سنة عن الكلام لشعب إسرائيل بواسطة الأنبياء، استولى اليأس على شعب الرب، وقالوا مع آساف: "لماذا رفضتنا يا الله... آياتنا لا نرى. لا نبي بعد، ولا بيننا من يعرف حتى متى" (مزمور74: 9،1). وفي قلب الظلام فتحت السماء أبوابها وخرج منها ملاك الرب ومعه جمهور من الجند السماوي، وظهروا لجماعة من الرعاة، كانوا يحرسون حراسات الليل على رعيتهم، والرب دائمًا يتجلى بمجد للرعاة الذين يرعون غنمه وخرافه، ويحرسون رعيته من الذئاب التي تحاول افتراسهم.

كانت بشارة الملاك للرعاة هي البشارة بفرح عظيم. وما أحوجنا إلى هذه البشارة في هذه الأيام السوداء ماليًا، وأخلاقيًا، واجتماعيًا، وعائليًا، وسياسيًا.

 

ومولد يسوع المسيح في مدينة داود التي هي بيت لحم كان إعلانًا لمجد الله في الأعالي وولادة رئيس السلام على الأرض، وكان هو البشارة بالفرح العظيم.

 1-      فرح عظيم بسبب إتمام النبوات الكتابية

لم يأت المسيح كما جاء غيره من فراغ... فبوذا، وكونفوشيوس، وزرادشت، وغيرهم... كلهم جاؤوا من فراغ. لم يسبق ميلادهم نبوات تتحدث عن مجيئهم، أما يسوع المسيح، فكل سفر من أسفار الكتاب المقدس أشار إليه، وأنبياء إسرائيل تنبأوا بمجيئه، ويجدر بنا أن لا ننسى أن النبوة تركزت في إسرائيل! ولم يأت نبي حقيقي من خارج إسرائيل.

 

فإشعياء النبي تنبأ عن ميلاد يسوع من عذراء لم يمسها بشر فقال: "يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل" (إشعياء14:7). وقد فسر متى البشير معنى الاسم عمانوئيل بقوله: "هوذا العذراء تحبل وتلد ابنًا ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا" (متى23:1).

 

وميخا النبي حدد مكان ميلاده في بيت لحم أفراتة فقال: "أما أنت يا بيت لحم أفراتة، وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطًا على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل" (ميخا2:5). والنبوة لا تتحدث فقط عن مولد المسيح في بيت لحم، بل تصل إلى نهاية الأيام حين يتسلط المسيح الملك على إسرائيل، وتعلن النبوة أزلية وجود يسوع المسيح "ومخارجه... منذ أيام الأزل".

      وداود النبي يتنبأ عن موت المسيح مصلوبًا بكلماته: "ثقبوا يدي ورجلي" (مزمور16:22).ومعروف أن داود الملك مات مكرمًا في قصره، أما يسوع ابن داود حسب الجسد فقد ثقبوا يديه ورجليه حين صلبوه. المساحة المعطاة لهذه الرسالة لا تكفي لسرد جميع النبوات التي سجلها أنبياء العهد القديم.

إتمام هذه النبوات في المسيح الوليد، كان سببًا للفرح العظيم.

 2-      فرح عظيم بالخلاص من سلطان الشيطان وسيادة الخطية

             منذ أن سقط آدم وحواء في خطية العصيان، وصدقا كذب الشيطان، انتقلت الخطية إلى كل البشرية، ومن ينكر وراثة الخطية ينكر الواقع. فالسلوك البشري في تعامل الناس مع بعضهم البعض، والخداع، والنصب، والاحتيال، والاغتصاب، والوحشية،    والإرهاب، والحروب... كل هذه تؤكد أن طبيعة الإنسان التي ورثها عن أبيه الأول آدم، طبيعة ساقطة، منحطة، وليس في قدرة الأديان إيقاف هذا التيار المشين... لأنه حتى المسيحية حين انحرفت عن طاعة الكلمة الإلهية، قتلت الألوف، وأثارت الحروب، وسالت بواسطتها أنهار دماء الأبرياء.يسوع المسيح وحده هو الذي في قدرته خلاص الإنسان الذي يؤمن به ربًا ومخلصًا من سلطان الشيطان، ومن سيادة الخطية.

يسوع المسيح التقى بالمرأة السامرية التي تزوجت خمسة رجال، وفي النهاية اكتفت بالحياة مع عشيق... أعلن لها المسيح حقيقة ذاته، وحقيقة جوعها النفسي والروحي، وقال لها: "كل من يشرب من هذا الماء (الماء الذي يقدمه العالم) يعطش أيضًا. ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية" (يوحنا4: 13-14). وشربت السامرية من هذا الماء وبشرت مدينتها بالفرح العظيم وآمن بالمسيح في مدينتها كثيرون.

 ومع السامرية، التقى المسيح ببطرس، وأندراوس، ويعقوب بن زبدي، ويوحنا أخوه، وفيلبس، وبرثولماوس، وتوما، ومتى العشار، ويعقوب ابن حلفى، ولباوس، وزكا العشار، وسمعان القانوني، وغيرهم كثيرين فجعل منهم رسلاً ومبشرين ينادون العالم ببشارة الفرح العظيم.وما زال يسوع المسيح الحي، الموجود الآن في السماء يلمس قلوب الأشرار، والنجسين، والمتعصبين ويجعل منهم قديسين.

كما فعل بشاول الطرسوسي، المجدف المضطهد للكنيسة، والمفتري على المؤمنين، فجعل منه بولس الرسول.

 3-       فرح عظيم لعمومية الدعوة السماوية

إن دعوة يسوع المسيح لا تتوقف عند شعب معين. إنها دعوة لكل إنسان، في كل مكان وكل زمان، لذلك قال لرسله:"أذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يدن" (مرقس16: 15-16).

المسيح ينادي الثقيلي الأحمال والمتعبين من التجارب، والظروف القاسية، ومعاملات الناس قائلاً:

 

"تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم" (متى28:11).

ولو كان المسيح مجرد إنسان ما استطاع أن ينادي الناس بهذا النداء، إذ ليس في قدرة إنسان مهما كان مدى سلطانه أن يريح جميع المتعبين والثقيلي الأحمال.

 إن يسوع المسيح أعظم من جميع الأنبياء، والملوك، والحكماء. إنه ابن الله الذي ولد ليقدم للناس دعوة للراحة من هموم الحياة، كما قال عنه بطرس الرسول:"ملقين كل همكم عليه لأنه هو يعتني بكم" (1بط7:5).

وعلينا أن ننتبه هنا إلى كلمتين: "كل" و "هو". فإن أردت الراحة من هموم الحياة بكل أنواعها... فألق كل هذه الهموم على المسيح، و "هو" بمعنى أنه هو القادر على كل شيء أن يعتني بالمؤمنين بقدرته ويريحهم من همومهم بنعمته. من هنا كانت البشارة بمولده، بشارة الفرح العظيم.

 4-       فرح عظيم بالنجاة من الدينونة الأبدية

لقد أعلن الملاك الذي ظهر للرعاة أن يسوع "مخلص"، كما أعلن أنه "الرب" إذ قال لهم "أبشركم بفرح عظيم... أنه ولد لكم اليوم... مخلص هو الرب". المسيح هو المخلص وهو الرب.

 

المسيح هو المخلص، "وليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس اسم آخر تحت السماء، قد أعطي بين الناس، به ينبغي أن نخلص" (أعمال12:4). وهذا يعني أنه الوحيد العظيم للخلاص... وليس لأحد غيره القدرة على أن يخلصنا وينجينا من الدينونة الأبدية.

 

"الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية، والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله" (يوحنا36:3).

 

المسيح هو الرب، "وليس أحد يقدر أن يقول: يسوع رب إلا بالروح القدس" (1كورنثوس3:12).

 

ولأن المسيح هو "الرب" ففي قدرته أن يحفظنا غير عاثرين ويوقفنا أمام مجده بلا عيب في الابتهاج (يهوذا 24).

 

لقد سدد المسيح أجرة الخطية التي هي موت، بموته على الصليب، وبهذا صار واهب الحياة الأبدية "لأن أجرة الخطية هي موت، وأما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا" (رومية23:6).

 

بميلاد المسيح من مريم العذراء دخل إلى عالمنا ليعطينا صورة عن من هو الآب. وبصلب المسيح أنقذنا تمامًا من الدينونة الأبدية، "لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح" (رومية1:8).

 

أي فرح أعظم من الفرح الذي نجده في مولود بيت لحم، يسوع المسيح؟! إنه باليقين فرح عظيم!

 فرح عظيم بسبب إتمام النبوات الكتابيةفرح عظيم بالخلاص من سلطان الشيطان وسيادة الخطية.فرح عظيم لعمومية الدعوة السماوية.فرح عظيم بالنجاة من الدينونة الأبدية.

فآمن بالمسيح اليوم وتمتع بهذا الفرح العظيم. 

مأخوذة من صوت الكرازة بالإنجيل-الدكتور القس لبيب ميخائيل